التّمدرس في المغرب العربي: من الإنشاء إلى تقوية الأنظمة التربوية
يتضمّن هذا المقال ثلاثة أجزاء مترابطة.في الجزء الأول سيقع التمّعن في التربيّة في المغرب العربي من خلال منظور وصفيّ. و لذلك سيتم عرض ملامح الأنظمة التربوية التونسية، الجزائرية المغربية و بصفة خاصة الإنجازات المحققة خلال الأربعين – خمسين سنة الفارطة.و سيقارن الجزء الثاني الوضع التربوي في المغرب العربي بنظيره لدى دول الجنوب و التي لها مستوى تنمية اقتصادية مشابه.و سيقوم الجزء الثالث على التغييرات التي يجب على الأنظمة المغاربية أن تقوم بها لكي تواجه التحديات المتعددة و المعقدة التي يطرحها تمدرس المجموعة.
1-الغرض من التربية الابتدائية للجميع هو جعلها في المتناول.
1-1-الإرث المتردّي للاستعمار:
على العكس مما يقدمه المدافعون عن " المساهمة الايجابية" للاستعمار في إفريقيا الشماليّة فإن أرقام التمدرس في نهاية الحقبة الاستعمارية كانت متدنّية على المستوى الكيفي و الكمّي لمّن كانت تطلق عليهم في تلك الفترة تسمية " الأهالي"indigènes »« Les " فيما يخصّ هذه النقطة هناك تناظر كامل بين الدول الثلاث للمغرب العربي. ففي المغرب سنة 1956 كانت الجالية الأوروبية متمدرسة بصفة كاملة. و بالمثل كانت الجالية اليهودية بنسبة 80 % أما السكان المسلمون فبنسبة 13 %.فيما يخصّ تونس (في 1953) كانت نسبة تمدرس السكان المسلمين تقدر بـ 11 %. و بالنسبة للجزائر كانت أقل من 20 % و منطقيّا لم يكن على الحماية لتقويّة و تثبيت نظامها أن تقوم بتفضيل الأوروبيين و استرجاع الجالية اليهودية فقط بل أيضا. و بالتساوي خلق تمييزات بين النخبة المحليّة و الشرائح غير المبجلّة، بين المدينةو الريف و حتى في داخل هذا الأخير تكريّس تفرّقة بين العربي و البربري.
لقد كان لكل شريحة من هذه الشرائح الإجتماعيّة الحق في شكل خاص من التمدرس، يعني أن تعقيد السياسة الدراسيّة المتبعة يسمح لنا باستحضار العوامل التي كانت أصل الأشكال الحديثة لتهميش الشرائح غير المبجّلة في النظام الدراسي الحالي" Zoogari 2006 ص 453.
1-2-إنشاء الأنظمة التربوية الوطنية:
نستنتج بعد أربعين – خمسين سنة من الاستقلال أن انتشار التمدرس الأساسي هو حقيقة في المغرب العربي باستثناء بعض الجهات. و يجب أن يقع دعم انتشار المدرسة في المنطقة خلال السنوات القادمة مع أخذ التطور الديمغرافي الموافق بعين الاعتبار.
و في الواقع تعتبر تونس رائدة في المستوى الديمغرافي فيما يتّبع البلدان الآخرين نفس سيناريو الانخفاض الملحوظ في نسب الخصوبة. و حسب Ouadah-Bedidi و Vallin (2000) لم يأخذ المغرب العربي إلا 25 سنة لكي يقطع الطريق الذي سارته فرنسا في قرنين فيما يخصّ تخفيض نسبة الخصوبة.و بعد 35 سنة من الانخفاض المتواصل بلغت الخصوبة التونسية الحد المتوقع: 2.2 طفل للمرأة الواحدة في 1998 و على الأرجح 2.1 في 1999، و ذلك ما يجب بالضبط لكي تكون أمّ في الجيل التالي، معوضة بابنة واحدة.
إذن، و في انجاز كامل للتّحول الديمغرافي يتوقع أن تستقر الخصوبة لضمان المحافظة على عدد السكان.
و تتابع الجزائر و المغرب نفس النسق تقريبا إذ انخفضت بعدُ الخصوبة بكل منهما لـ 3.1 طفل لكل امرأة في 1996 و 1997.
و مع افتراض أن نسق الانخفاض الملحوظ خلال السنوات السابقة سيتواصل، فإننا لن نعدّ أكثر من 2.5 طفل للمرأة الواحدة في المغرب 2.3 في الجزائر و 2.0 في تونس.
و حاليا نجد، أن بعض الولايات التونسية و بعض المقاطعات المغربية هي و بوضوح دون الطفلين لكل امرأة (Ouadah – Bedidi et Vallin 2000).
لقد أسسّت تونس و التي تمثّل التلميذ "الأنموذج" في مادة التخطيط العائلي على المستوى الدولي منذ 1964 برنامج مراقبة للولادات كما تتم الترخيص في الاجهاض، و رسميا وقع حذف المنح العائلية ابتداء من الطفل الخامس.و قد كانت النتائج ملموسة على مستوى نسبة النموّ الديمغرافي إذ مر هذا الأخير من 3 % خلال السنوات الستين إلى 2.6 % في 1975، ثم إلى 2.3 في 1987 و لأقل من 1 % اليوم (Lacoste et lacoste 1991).
و مع ذلك فإنّه يجب أن نلاحظ أن الديمغرافية ستؤثر خصوصا على جهود نشر التعليم خصوصا في المستوى الثانوي والعالي.ففي الواقع، سيتواصل عدد سكان شمال افريقيا في الارتفاع و ذلك و لأن الخصوبة قد وصلت لحد التعويض فالأجيال الأكثر عددا هي اليوم بين 5 و 20 عاما، و بوصولها لسنّ الإنجاب و حتى مع خصوبة مقلّصة فإنها ستنتج عددا أكبر من الأطفال من الأجيال التي سبقتها.
و يمكن لنا أن نتوقع أنه من الآن و حتى 2050 سيرتفع عدد السكان بتونس بنسبة 25 % و في المغرب بـ 30 % و في الجزائر بأكثر من 40 %.و سيكون ذلك بمثابة التحدّي الأهم للأنظمة التربوية بالمنطقة (Ouadah – Bedidi et Vallin, 2000).
و حسب اليونسيف (2005) حقّقت منطقة الشرق الأوسط / إفريقيا الشماليّة خلال الـ 25 سنة الماضية تقدما ملحوظا في ميدان التعليم الابتدائي. ففي هذه المنطقة عرفت نسبة التسجيل الصافية / و التردد المدرسي النسبة الأكثر تطورا في العالم، بمعدل نمو سنوي بـ 1.4%.
و إذا ما توصلت أنساق هذه المعدلات السنوية للتطوّر فإنّه ستكون للمنطقة حظوظ كبيرة لكي تبلغ هدف التربية الابتدائية للجميع من الآن حتى 2015.
سنفحص على التوالي تطوّر التمدرس في هذه البلدان الثلاثة بالمغربالعربي.
إذ ما كانت تونس الدولة الأكثر تأخرا في مستوى التمدرس عند استقلالها فهي الآن الأكثر تطورا.إذ كان قطاع التعليم ذا حظوة لدى الدولة التونسية و لا يزال كذلك قطاعا مدلّل من طرف السلط التونسية من نصيب التعليم في الناتج الداخلي الخام كان بـ 6 % في 1990 و 6.4 % بالنسبة للفترة 2000 – 2002.
و ذلك ما يوافق مصاريفا إجماليّة بـ 13.5 % في 1990 و 18.2 % بالنسبة للفترة 2000 – 2002 (Sfeir, 2006).
لقد تحصلّت تونس على نتائج جيّدة للغاية، إذ ارتّفعت نسبة التمدرس في كل مستويات النظام التربوي، إذ تم تسجيل كل الأطفال تقريبا في السنة الأولى الابتدائية. كما تمّ الحصول على مساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي و الثانوي، إن الإناث هن الآن الأكثر عددا من الذكور في المراحل الثلاثة للتعليم (يونسيف 2005).لقد سمح الجهد المكرس لفائدة التربية بإنشاء مدارس حتى في المناطق الأكثر تقهقرا في البلاد و قد حقّقت هذه السياسة نسبة تمّدرس وصلت لأكثر من 99 % لأطفال الست سنوات بالنسبة للسنة الدراسية 2002/2003.
و في الجزائر و بصفة موازية حقّق جهد التّمدرس نتائجا جيّدة بما أن النسبة قد مرّت من 47.20 % في 1966 إلى 83.05% في 1998.